تمهيد
لم تتجاوز جميلة الأشقر الثامنة من عمرها، لكنها كانت ذات شخصية مميزة، فهي جريئة تحب التحدي ولا تتردد في خوض أي تجربة جديدة. أحبها أصدقاؤها ودائما خيمت عليهم الطمأنينة بوجودها بينهم في أي رحلة أو عمل يبادرون اليه. إذ أن وجودها لطالما مدّهم بالقوة وحصّنهم ورفع من معنوياتهم. مرت فترة فيها عندما كانت مع زميلاتها وزملائها في طريق عودتهم كعادتهم من المدرسة الى البيت يتعرض لهم طلاب من المدرسة الثانوية، يسخرون منهم ويضايقونهم. في أحد الأيام، وفي ما هم في طريقهم الى البيت وكالعادة تعرض لهم طلاب الثانوية. كانت جميلة الأشقر قد أعدت خطة مسبقة بمشاركة سامي ومنصور، فقالت لطلاب الثانوية:
- أنتم تكبروننا سنّا، لكن هل باستطاعتكم أن تسبقونا سباحة في البحر؟ ضحك طلاب الثانوية وسخروا منها وسألوها:
- من منكم يتجرأ على أن يتحدانا؟!
أجابت:
- ننزل جميعنا كفريق، وأنتم أيضا تنزلون البحر جميعكم كفريق، ونتسابق في النيل من هنا أي مقابل الفاخورة ننزل النيل وندور حول السور حتى نصل الى الميناء حيث منطقة المطاعم، ومن يصل أولا، أي واحد، من فريقنا أو من فريقكم يفوز فريقه بالسباق. ضحك طلاب الثانوية منها ووافقوا على التحدي، ثم سألوها:
- ومن سيكون الحكم في السباق؟!
قالت:
- أنا سأحكم: ينزل الفريقان البحر، وأنا سأركض المسافة الى الميناء؛ لأرى من سيسبح حول السور ويصل أوّلا الى الميناء.
خلع الجميع ملابسهم وقفزوا في النيل وبدأ السباق. كانت سرعة طلاب الثانوية كبيرة جدا تفوق سرعة زملاء جميلة الأشقر التي رفعت صوتها عاليا تصرخ وتشجع فريقها دون جدوى، فقد سبقهم طلاب الثانوية بمسافة كبيرة، وغابوا عن نظرها في دورانهم حول السور. عندها جمعت جميلة الأشقر ملابس طلاب الثانوية وأضرمت فيها النار، وجمعت ملابس زملائها وأخذتها معها وهربت الى البيت. إن اشعال النار كان إشارة لرفاقها على أن يعودوا أدراجهم ويتبعوها الى بيتها.
بعد أن وصل طلاب الثانوية الى الميناء لم يجدوا جميلة الأشقر هناك. نظروا حولهم فلم يجدوا أيضا فريقها الذي تحداهم، وبدأت تتضح الصورة أمامهم، لقد كانت مكيدة من جميلة الأشقر، فاستشاطوا غيظا وصمموا على أن يوسعوها ضربا هي وفريقها على فعلتهم. وفي ذروة غضبهم التقاهم رياض، (الأب الروحي لروّاد البحر، وهو شخص حكيم يساعد ويدعم روّاد البحر في تدريباتهم، ويلجؤون اليه دائما عند مواجهة أي مشكلة ويكنون له الاحترام الكبير) هدّأ من غليانهم ثم سمع قصتهم بالتفصيل، فوبخهم على تصرفهم ومعاملتهم لهؤلاء الصّبية "الأطفال"، إنهم أبناء بلدكم، قال، وعليكم أن تدعموهم وتشجعوهم لا أن تسخروا منهم، وقد أعجبني أن هؤلاء الأطفال اعتمدوا على انفسهم ولم يطلبوا مساعدة أحد ولقنوكم هذا الدرس وكما تعلمون أني أعرفكم واحدا واحدا، وأعرف أهلكم فان تعرض أي منكم لهؤلاء الأطفال فأنا سأحاسبكم على ذلك! ومن يومها توقف طلاب الثانوية عن التعرض لجميلة الأشقر ورفاقها.